الثلاثاء، 11 نوفمبر 2008

طلعت رميح: لا نملك استراتيجية قادرة على الوصول للغرب







حملة ليست بالجديدة يشنها دعاة الحرية واحترام الآخر على نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، بهدف النيل منه ومن تعاليمه بالتشويه والافتراء تارة وبالحرب تارة أخرى، وإن استعراضا للأحداث البارزة خلال السنوات القليلة الماضية يظهر أن الإسلام والمسلمين يواجهون سلسلة منظمة من الحملات ضدهم ديانة ووجودا، بدءا من قانون الحجاب الفرنسي وإهانة المصحف على أيدي الدنماركيين وجنود الأمريكان، ومرورا بتصريحات نخب سياسية وثقافية في الغرب ضد الإسلام، ووصولا إلى الرسوم الكاريكاتورية التي تكرر نشرها في 22 دولة أوروبية وأعيد نشرها مؤخرا عنادا واستكبارا. لتوضيح الموقف الغربي ومخططه ضد الاسلام من وجهة نظر سياسية.

محيط ـ محمد علاء الدين

أجرينا حوارنا مع الكاتب "طلعت رميح" المحلل الاستراتيجي ورئيس تحرير مجلة "استراتيجيات"، وأحد المتصدين لتلك الأجندة التخريبية التي تستهدف الإسلام والمسلمين.


محيط : لماذا يختار الغرب الإساءة للإسلام تحديدًا, هل الأمر له علاقة بميراث عداوة قديم بين الشرق والغرب منذ الحروب الصليبية حتى أحداث فلسطين والعراق ؟


السبب وراء تكثيف الهجوم على الإسلام دون غيره يعود الى رؤية الغرب لهذا الدين وتخوفهم منه، فهو يمتلك منظومة كاملة من المفاهيم والرؤى تجعل منه "أيدولوجية" قادرة على مواجهة الأيدولوجيات الغربية وهزيمتها.


والسبب الثاني مرده المطامع الاستعمارية، فإذا فتنشنا عن الدول التي يستهدف الغرب استعمارها في المرحلة الراهنة والإستيلاء على ثرواتها، سنجد أنها تحديدا الدول الإسلامية، ذلك أن الدول الأخرى من العالم الثالث مثل الصين والهند وكوريا حققت خطوات متقدمة في التنمية وامتلاك أسباب القوة.


محيط : يرى كثير من المراقبين أن الهجمات على الإسلام تأخذ شكلا موسميا، هل الأمر مرتبط باستراتيجية مبيتة ومحددة سلفًا؟

الشق الأول من السؤال ليس صحيحا، إلا اذا اعتبرنا أن الهجوم هو ماجرى فقط في قصة الرسوم المسيئة، لكن واقع الحال يشير إلى أنه مستمرا بصفة مخططة منذ بداية الظاهرة الاستعمارية الحديثة على يد بريطانيا وفرنسا في القرن الثامن عشر، والهجوم على الإسلام يجب فهمه في إطاره العام وليس في النتوءات التي تحدث بين الحين والآخر، فالهجمات الأخيرة المباشرة ليست إلا مظاهر حادة لإستراتيجية كاملة يتم تنفيذها من بداية الفترة الإستعمارية.

فقد جرت عملية ممنهجة لتشويه الإسلام على يد المستشرقين، تم فيها نقل صورة مشوهة بقصد للغربيين، وخلال الوجود الإستعماري على الأرض العربية والإسلامية جرت أوسع عملية لتخريب العقائد والثقافة من خلال تشويه الثوابت داخل المجتمعات الإسلامية, فقد توصل الغرب أثناء الحملة الفرنسية على مصر إلى إستنتاج بأن الطريق إلى احتلال الكيانات الإسلامية لا يتم إلا بعد إضعاف الولاء للإسلام، ولعلنا نذكر أن علماء الأزهر في تلك الفترة كانوا هم قواد المظاهرات، فما الذي حدث حتى تنجح بريطانيا في احتلالها لمصر عام 1807 ؟ لقد أدخلوا البعثات التعليمية ورؤس الأموال وكل جوانب الثقافة الغربية إلى المجتمع المصري على حساب الثقافة الإسلامية، فكان أن نجحت خطة الإحتلال العسكري.

ولعلنا نذكر أن كل أشكال المواجهة والمقاومة التي جرت في مواجهة الإحتلال كانت إسلامية الطابع، حيث ظهرت الحركات الإسلامية في الجزائر ومصر والسودان وليبيا والسعودية رافعة شعارات إسلامية في مواجهة الغزو،
وبعد نجاح الإحتلال جرت عمليات مخططة معترف بها استهدفت تشكيل تيارات ليبرالية غربية لإحداث أوسع حالة من تغليب الثقافة الغربية على المجمتعات الإسلامية , فالحرب على الإسلام ليست وليدة اليوم ولكنها تأخذ أشكالا متغيرة في حملاتها.
"الغرب لا يحترم الأديان السماوية لأن أسسه تقوم على العلمانية".

محيط : يتحدث الغرب دائما عن احترام الأديان وحرية الفكر والإبداع، هل هناك تناقض بين ما يدعو إليه وبين تلك الإعتداءات المتتالية خاصة بعد دعوة وزير الداخلية الألماني بإعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول ؟

واقع الحال يشير بوضوح إلى أن الغرب لا يحترم الأديان بما فيها المسيحية، لأن أسسه تقوم على العلمانية, ولعل الأمور الآن أصبحت أشد وضوحا إذ سقطت كل أشكال التزييف والتعمية على ما يجري في الغرب في عدة مشاهد, فإذا كانت الولايات المتحدة طليعة العالم الغربي لاتكف عن التشدق بأنها بلد تجانس الأعراق والديانات وبلد الحرية والتسامح العرقي والديني، فإن ما كشفه ترشيح "باراك اوباما" للانتخابات هو الدليل على العنصرية، كما أن الحالة الراهنة للمسلمين في العالم الغربي تعتبر مؤشرا آخر لاستهانة الدولة العظمى بالأديان.
وخلاصة الأمر أن الحضارة الغربية في نهوضها كانت قد رفعت شعارات انكشفت طبيعة فحواها وحدود أصالتها في مرحلة الإنحدار الغربي في الظرف الراهن.

محيط : هل ترى أن المظاهرات والاحتجاجات كفيلة بالرد على تلك الإساءات، ولماذا لم يشارك فيها أصحاب الديانات الأخرى طالما الأمر لايخص المسلمين وحدهم؟

المظاهرات وظيفتها إظهار ردود فعل مباشرة وظاهرة على الإساءات، وهي وسيلة إبلاغ للمجتمعات الغربية بموقف المسلمين منها، وهي كذلك وسيلة ضغط على الحكومات الإسلامية للتحرك لمواجهة الأمر، لكن هذه المعركة لا يمكن خوضها بالتظاهر وحده أو بمجرد فوران لحظي،

بل تتطلب ممارسة أشكال متعددة من المواجهة منها المواجهة السياسية برفض التمثيل الدبلوماسي مع الدول التي تسمح بها, والتقدم إلى الهيئات الدولية بشكاوى وبملاحقات قضائية ضد من يرتكبونها، وهناك أيضا المواجهة الاقتصادية أي أننا أمام مجمعة واسعة من الحلول.
المظاهرات أداة ضغط على الحكومات الإسلامية لمواجهة الإساءات, وواقع الحال أننا مطالبون بإقامة أوسع جبهة عالمية من قبل كل المؤمنين بالأديان لمواجهة كل إعتداء أو إساءة لأي دين سماوي، فنحن لسنا في تلك المواجهه وحدنا, لكن اللافت للأمر أن هؤلاء الآثمين المسيئين للإسلام يدعون إلى احترام الأديان الوضعية في حين يوجهون سهامهم ضد الإسلام!

محيط : بعد فيلم "فتنة" دعا المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها إلى مقاطعة البضائع الهولندية لمدة محددة, في رأيك هل هذا كفيل بالرد على ما وقع وهل أتت تلك المقاطعة المرجو منها؟

المقاطعة وحدها ليست ردا كافيا وإن كان مهما, ذلك لأن الغرب في طريقة هجومه على الإسلام يأخذ نمطا متكررا ومخططا يجب مواجهته بأساليب منظمة, فهذا الفيلم "المفبرك" يأتي امتدادا للرسوم الكرتونية، واستمرارا لهجمات متعددة من مسئولين وقسس وحاخامات، وبقدر تواصل الهجوم وانتشاره في كثير من الدول الاوروبية بقدر ما يجب أن يكون التحرك واسعا وشاملا, فهل يصح أن يتضامن غربيون من دول متعددة على الإثم ولا نتضامن نحن في الدفاع عن الإسلام؟!

محيط : يقول الكثيرون أن هناك قصور واضح في طريقة دعوة الغرب إلى الإسلام, ما رأيك في ذلك؟ وهل يحتاج الغرب لإستراتيجية جديدة في طريقة الدعوة الإسلامية؟

ما يهمني هو أننا لم نمتلك بعد إستراتجية كاملة قادرة على إيصال رسالتها للغرب, أظن اننا واقعون في مأزق قوامه إعتقادنا أننا نوجه رسالات للغرب بينما الحادث في الإعلام أننا نوجه رسالة لأنفسنا، وببساطة شديدة كم صحيفة وكم قناة تليفزيونية تنطق باللغات الغربية ؟!

محيط : صرحت في حديث سابق أن الإسلام تعرض للإهانة على لسان أحد الكتاب العرب المقيمين في الغرب, هل يستخدم أمثال هؤلاء كأداة لإحداث الصراع بين الأديان ؟

أعتقد أن هؤلاء مهمتهم في الأساس إحداث خلخلة في المنظومة العقائدية والفكرية والثقافية التي تقوم وتتأسس عليها المجتمعات الإسلامية, هم يحاولون محو العقائد والمفاهيم الإسلامية والقومية والوطنية التي هي عصب تكوين العقول والمجتمعات في منطقتنا ليسهلوا على الإستعمار مهمة الإحتلال.

فاحتلال العقول هو الأخطر من إحتلال الأرض ،وهؤلاء مهمتهم أخطر من نزول قوات الإحتلال على الإراضي العربية والإسلامية، فهم يحاولون إثارة كل أشكال الفتن داخل العقول والمجتمعات ليثيروا حالة من الاضطراب تفقد الأمة تماسكها وقدرتها على مواجهة الضغط والإحتلال الخارجي, وفي الصراعات يخشى كل طرف ما يمتلكه الآخر من عوامل القوة لا من بلاغة الألفاظ

محيط : أشرت مؤخرا الى أن الأسلوب الأمثل للتعامل مع تلك الإساءات استخدام القوة, ما هي محددات وضوابط استخدام تلك القوة في الرد ؟
ما قلته أن الغرب لا يفهم الا القوة، والمقصود أن الضعيف لا يسمعه أحد, ولغة القوة ليس المقصود بها لغة السلاح, وإنما القصد أننا إذا استجدينا من الغرب احترامه لنا فذلك يزيده غطرسة وضغطا وتنكيلا بنا, فحينما نزلت الولايات المتحدة بقواتها الى العراق لم يكن من الممكن مواجهتها إلا بلغة المقاومة العسكرية والسياسة.

ومواجهة الإساءة للنبي لا تتم باستجداء إحترام الغرب لنا, فهم أصلا يمارسون نفس الفعل مع "المسيح عليه السلام ", لكن لو استخدمنا معهم وسائل متعددة من القوة السياسية والإقتصادية والإعلامية والثقافية عندها من المؤكد أنهم يحترموننا.
وقد شرحت من قبل نموذجا لما اتخذته كوريا الشمالية تجاه الولايات المتحدة، وأظهرت كيف تراجعت عن تقديم الملف النووي الكوري إلى مجلس الأمن، حينما قالت كوريا أن خطوة أمريكا بمثابة إعلان حرب تستدعي الرد، عندها توقفت الولايات المتحدة على الفور.

ففي الصراعات يخشى كل طرف مما يمتلكه الطرف الآخر من عوامل القوة لا من بلاغة الألفاظ ولا قوة الحجة ولا صحة الموقف.محيط : هل تحب أن توجه رسالة في نهاية حوارنا ؟

بعض الفضائيات تقدم في برامجها حوارات مع رموز من الهادمين للعقيدة تحت عنوان حرية الرأي, لذلك أنبه إلى ضرورة مواجهة تلك اللعبة الإعلامية بطريقة حاسمة، ورفض إقامة حوارات حول قضايا المقدسات لأن الحوار حول العقائد مكانه المناظرات و الغرف المغلقة وليس وسائل الاعلام.

بطاقة تعارف

عرفناه من خلال مقالاته في صحيفة الشعب التي كان يرأس تحريرها قبل إغلاقها , ورأيناه على شاشات الفضائيات مدافعا عن قضايا أمتنا الإسلامية , تخرج "رميح" في كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1978 ، ويعمل كاتبا وباحثا متخصصا في شئون الحركات السياسية العربية، حصل على الجائزة الأولى في الحوار الصحفي من نقابة الصحفيين المصرية عام 1985 .
ويقوم الآن بإعداد وتقديم برنامج "زوايا نظر" على قناة "الرافدين" الفضائية, تدور معظم كتاباته حول الشئون العراقية والفلسطينية والسودانية, ومن أبرز مؤلفاته "مستقبل السودان .. أزمة الهوية، أزمة الحكم، أزمة الجنوب"," إعادة اكتشاف الحركة الشيوعية العربية", و"عثمان ..اللغز والاسطورة" والعديد من المؤلفات الأخرى.

ليست هناك تعليقات: