الثلاثاء، 11 نوفمبر 2008

أول مشروع طبي يكسب صداقة المريض د. شريف ابو النجا: "57357" صرح عالمي بقروش الفقراء







لمحتها عن بعد ولم أصدق أنها وصلت إلى هذا المستوى... مستشفى سرطان الأطفال الجديد، هذا الصرح الضخم الذي فاز بجائزة أفضل مشروع صحي عالمي في مايو الحالي، ورغم أن المستشفى بات يضاهي أكبر مستشفيات العالم في هذا المجال، إلا أنه تعرض لانتقادات واسعة في الفترة الأخيرة بسبب التبرعات وأوجه إنفاقها، مادفعني للسعى لإجراء هذا الحوار مع ا.د شريف أبو النجا أستاذ أورام الأطفال وأمراض الدم، ومدير إدارة البحوث والتدريب والعلاقات الخارجية بالمستشفى.. للتعرف على الحقيقة وإزالة أى التباس من شأنه أن يشوه هذا الانجاز الكبير.

محيط - محمد علاء الدين

محيط: كنت صاحب الفكرة من البداية .. فلماذا وقع اختيارك على الأطفال بالذات لعلاجهم من هذا المرض القاتل؟

استلمت عملي بعد تخرجي في فترة الثمانينات بمعهد الأورام القومي، وفي تلك المرحلة كان المعهد يعاني من نقص شديد في الأجهزة الطبية والعلاج, وفي إحدى الأيام تساقط ثلاثة عشر طفلاً الواحد تلو الآخر أمام عيني ولم أستطع أن أقدم إليهم أي شيء، فاستشعرت المأساة الحقيقية التي يعانيها مرضى السرطان خاصة الأطفال، ومن وقتها أوحى لي عقلي فكرة إنشاء مستشفى تعالج مرضى السرطان من الأطفال فقط، وقد بذلت مساعي كثيرة لتحقيق غايتي، والحمد لله بفضله أولا وبمساعدة أهل الخير في مصر وجميع دول العالم العربي تحقق الحلم وكان هذا الصرح.

محيط : تشير الأرقام الى أن نسبة الاصابة بالمرض في تزايد مستمر، وأنه يتم اكتشاف 100 ألف حالة جديدة سنويا في مصر، برأيك ما السبب في ذلك وإلى متى سيستمر الحال على هذا؟

لو لاحظنا ما ورد من آخر الإحصائيات العالمية سنلمس مدى انتشار هذا المرض على مستوى العالم, حيث تشير تلك الإحصائيات أن هناك ما يقرب من نحو 8600 من مرضى السرطان تحت سن 15 عاما, ولو قمنا بمقارنة نسبة الشفاء بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية لوجدنا أن حالات الشفاء في مصر لا تتعدى50% فقط، بينما تصل في أمريكا إلى 82,5%، وهذا يرجع إلى التطور في إمكانيات العلاج ومدى الحرص على صحة الإنسان في هذا المجتمع, لذا فكرنا بإنشاء مستشفى 57357 والتي تعد أول صرح طبي في مصر والعالم العربي مصمم على أحدث النظم العالمية والغربية من حيث الرعاية الطبية، والذي يوفر احتياجات المريض بالمجان من حيث التشخيص والعلاج والمتابعة, ويهيئ ما يلزم لإقامة الأبحاث العلمية الخاصة بسرطان الأطفال لنشر الوعي الطبي في المجتمع.

محيط : وهل الإمكانيات المتوافرة بالمستشفى والخدمات التي تقدمها للمرضى تساعد على تحقيق هذا الهدف؟


المستشفى توفرالعديد من الإمكانيات المختلفة والمتطورة التي تعالج الأطفال كل حسب نوع المرض، ويكفينا فخرا أننا اقتنينا أول جهاز مسح ذرى في مصر، والذي يسمى بجهاز "السيكلترون "PET/ CT scanالذي يقوم بدور حيوي في تصوير أورام المخ والأورام المتأصلة، كما انه يتعرف على الخلايا السرطانية قبل أن تصبح ورم ظاهر. ويحتوي المستشفى أيضا علي أحدث الأجهزة الخاصة بالأشعة مثل الرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية وجهاز تصويرالأوعية وجهاز التصوير بالألوان، وذلك لتحديد مكان وحجم ومدي انتشار الورم. وهناك أيضا وحدة العيادات المتخصصة التي تساعد المريض على التعامل مع النتائج المباشرة للمرض مثل الألم و كيفية التحكم فيه, وكيف يتعامل مع الآثار الجانبية على المدى الطويل، مثل الإعاقات الجسدية و الخلل الهرموني و الانتشارات الثانوية للورم الخبيث.

وقد حرصنا أن تضم المستشفى كذلك وحدة للعلاج الطبيعي يتمثل دورها في علاج الحالات التي يسبب العلاج المكثف في التأثير السلبي علي حركة الجسم وتوازنه وقدراته.


محيط : علمت من خلال جولتى أن هناك نوعا آخر من العلاج يقدم للمرضى داخل المستشفى في مجال الصحة النفسية والبيئية.. هل تشرح لنا ذلك؟

ثبت من الواقع أن معاناة مريض السرطان يكون أغلبها بسبب الحالة النفسية وليس بسبب المرض نفسه، ولذلك خصصنا قسم الرعاية الاجتماعية والنفسية لتخفيف المعاناة والألم النفسي الواقع على المريض وأسرته من جراء المرض، حيث يقوم الأخصائي الاجتماعي بجمع المعلومات التي تفيده في تأهيل المريض للرضا وتقبل الوضع، الى جانب قسم المتطوعين الذين يساهمون في اللعب مع الأطفال ومساندتهم وتنظيم الحفلات المختلفة لهم.
وتحقيقا لهذا الهدف قمنا بتصميم المستشفى بطريقة تساعدنا على اكتساب صداقة الطفل، وحرصنا على أن يكون أول ما تقع عليه عيناه الألوان الجذابة والسقف الزجاجي (داخل الكرة) وابتسامة الحب والرحمة من العاملين, لا البالطو الأبيض والألوان الباهتة ورائحة المطهرات، كما هو الحال في المستشفيات التقليدية التي تبعث على الكآبة في نفس الكبير قبل الصغير.

فأضفنا الألوان المتعددة في العيادات الخارجية والأدوار الداخلية، واعتمدناعلى التصميم المتموج للجدران الذي يحقق مع الأرضيات الملونة شعور بالبهجة لدى الطفل.


علاج اليوم الواحد يستقبل 500 طفل يوميا


محيط: تعرضتم منذ افتتاح المستشفى في السابع من يوليو الماضي لانتقادات واسعة بسبب التبرعات.. ما ردك؟ وهل تتفق قيمتها مع ماتحقق من انجازات خاصة وأن المستشفي لا يتسع لأكثر من 180 سريرا فقط؟

الانجاز في مستشفى أورام لا يقاس بعدد الأسرة ولكنه يعتمد على الخدمات العلاجية التي يقدمها المستشفى ككل، والتي تعتمد في الأساس على علاج اليوم الواحد، ويكفي أن نعرف أن المرضى الذين يتم علاجهم في هذا القسم يصل الى 500 طفل يوميا، تقدم لهم خدمة العلاج الكيميائي ونقل الدم والصفائح الدموية، ومن اليوم الأول للافتتاح والمستشفى تستقبل الكثير من المرضى المصريين والعرب, وقد وصل إجمالي عدد الكشوفات بالعيادات الخارجية حتى مارس الماضي إلى 9000 كشف, كما وصل إجمالي أيام الإقامة بالقسم الداخلي 16391 ليلة بينما وصل إجمالي جلسات العلاج الكيميائي لقسم علاج اليوم الواحد إلى 4544 جلسة, ووصلت ليالى الإقامة بقسم العناية المركزة إلى 1605 ليلة, وتم إجراء 421 عملية, واستقبال 867 حالة طوارئ, وبهذا يصل عدد المرضى الذين تم استقبالهم خلال هذه الفترة إلى نحو 1378مريض منهم 60 من الدول العربية المختلفة.

وأنا أعتبر اختيار منظمة الصحة العالمية للمستشفى للفوز بجائزة مؤسسة الامارات العربية المتحدة للصحة لعام 2008، أكبر دليل على ما نساهم به في مجال التنمية الصحية في مصر والعالم العربي.

لماذا نبخل على أطفال الأورام بمبنى مبهج يخرجهم من الاكتئاب؟

محيط : الكرة الزجاجية ثار حولها جدل كبير من حيث المبالغة في التكلفة والفائدة منها، وكان من الممكن الاستفادة من هذه الأموال في مجالات طبية أكثر أهمية بالمستشفى؟
المبالغ التي تم دفعها لتصميم وتنفيذ هذه الكرة تبرع بها أحد رجال الأعمال، وعموما لا توجد أى مبالغة في الانفاق على البناء الهندسي للمستشفى بشكل عام، فقد خضع في كل مراحل التنفيذ الى ما يسمى بالتقييم الهندسي الذي وضع في الاعتبار أهم المشكلات التي تواجه الطفل المريض بالسرطان كالعدوى، ولذلك كانت معظم حجرات المرضى فردية ومجهزة وهو ماأدى إلى زيادة نفقات الإنشاء.
والكرة الزجاجية ليست رفاهية بل هي من أهم الأساليب المستخدمه لتحقيق الهدف السابق، وتتضح فائدتها في توفير الراحة التامة في نفس الطفل وأسرته, وتوفير إضاءة الشمس لما يقرب من ربع مساحة المستشفى تقريبا، وهذا يوفر استهلاك الإضاءة ويعطي شعور بالدفء والأمل, كما يقوم الزجاج المستخدم فيها بعزل الضوضاء والأتربة وأشعة الشمس الضارة بالمرضى كالأشعة تحت الحمراء. ودعنا نتساءل لماذا نبخل على مرضى الأورام من الاطفال أن يتمتعوا بشىء مفرح يضمهم وهم يعالجون من مرض خطير يصيبهم بالاكتئاب الدائم.
محيط : من الواضح أن مصادر التبرعات التي اعتمدت عليها المستشفى متعددة، هل تخضع هذه الأموال لأى نوع من الرقابة؟
قام هذا الصرح الكبير على يد العامل البسيط وصاحب المصنع والطالب المدرسي والجامعي، فقد شاركت فيه كافة طبقات المجتمع المختلفة.
وقد تبرعت مؤسسة الشيخ زايد الخيرية بدولة الإمارات العربية المتحدة بجهاز PTC-Scan لقسم الأشعة بالمستشفى الخاص بالاكتشاف المبكر للسرطان، والذي يعـد الأول والوحيـد في مصـر حيث يقدر ثمنه حوالي 2 مليون دولار.

كما تم الحصول على عدة منح من الصندوق الاجتماعي للتنمية لرفع كفاءات جميع العاملين بالمستشفى، وأخري من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) لصالح برنامج المساعدة الذاتية لتدريب الممرضات بالمستشفى، كما تبرعت السفارة السفارة البريطانية لصالح عيادة الأنف والأذن والحنجرة. والاسترالية لتطوير نظام المعلومات, وكذلك قامت سفارتي كندا والنرويج بدعم مشروع الألوان من أجل السلام. هذا إلى جانب المساهمات الملموسة والفعالة التي قامت بها كبري الشركات المصرية والعربية، وغيرها من الذين قاموا بتدعيم المستشفى بالتبرعات العينية والمادية،

عن طريق إقامة المعارض والحفلات لصالح المستشفى وأيضا المساهمة في برامج التبرع المختلفة.لقد أثبت الشعب العربي والمصري أنه شعب الخير والكرم الذي يجود به وقت الحاجة دون تردد.

أما عن الرقابة فبالطبع هناك محاسبة صارمة لإدارة المستشفى كل ستة شهور تقوم بها مؤسسة مستشفى أورام الأطفال التي ترأسها السيدة سوزان مبارك، وهى المؤسسة التي قامت ببناء المستشفى وهي أيضا التي تمثل المريض, وتقوم المؤسسة بمراجعة أسعار الخدمات المقدمة وتكلفة الاعلانات والفواتير الخاصة بكل مريض.

محيط : إذن ما سبب الحملة التي شنها الاعلامي جمال الشاعر في العديد من الصحف وما هو ردك عليها ؟

بالنسبة للإعلامي جمال الشاعر فلا أدري سبب تلك الحملة التي دعمها ببيانات أغلبها متضاربة وليست صحيحة، وبخصوص انتقاده للمرتبات العالية التي يتقاضاها الأطباء فليست في محلها لأن المستشفى استعانت بكثير من الأطباء المتخصصين للتفرغ للعمل بالمستشفى فقط، وأظن أن أي طبيب سرطان لو فكر بالسفر للعمل بالخارج سيتقاضى مثل هذا الأجر ويمكن أكثر من ذلك.
وبالنسبة للوحات التشكيلية المتواجدة على جدران الغرف فلم تدفع المستشفى فيها أي شيء، والفضل يرجع إلى جمعية الفنانين التشكيليين والفوتوغرافيين الذين أقاموا معرضا قبل افتتاح المستشفى لجمع العديد من الأعمال التشكيلية والفوتوغرافية لصالح مرضى مستشفى سرطان الأطفال الجديد.
محيط : من خلال عملك الطويل في هذا الصرح الطبي الهائل وما لقيته من مصاعب هل يمكن تكرار التجربة في العالم العربي ؟


ما وصلنا إليه كان مثلا يحتذى به بشهادة العلماء والأطباء في مصر والعالم العربي والغربي, لذا تعتبر مستشفى 57357 مثالا جيدا لقيادة التغيير, وقد قامت العديد من الدول العربية والأفريقية بزيارة المستشفى وأدهشتهم الفكرة.. حيث قامت السودان بتطبيق مثل تلك التجربة عبر مستشفى 99199 لعلاج سرطان الأطفال, كما تسعى كل من ليبيا والأردن وجنوب أفريقيا لتطبيق نفس التجربة.

هناك 4 تعليقات:

صاحب المضيفة يقول...

تماما كأني أقرا تحقيقا لابراهيم سعدة او يسري فودة

دائما اقول ان لك شأنا كبيرا في الصحافة وأن الأيام ستثبت ما اقول


عندما تصبح مشهورا ... فقط تذكرني وقتها ولا تبخل علي بسؤال او اطمئنان عابر

كل الود يا صديقي العزيز

حرية يقول...

اخي العزيز اخجلت شعوري ليعجز لساني على لفظ يشكرك به, بالتوفيق يا صديقي الصدوق في مشورانا الصحفي ومن يعلم فربما هذا المستقبل مخبأ لك قبلي وانا لا استبعده عن صحفي شاطر مثلك

موفقين ان شاء الله

blue-wave يقول...

على فكرة انت هايكون ليك مستقبل باهر باذن الله
عاجبانى اوى طريقتك فى الحوار
تقبل تحياتى

حرية يقول...

blue-wave

اشكرك اخي الكريم د عمرو فاروق على تلك المجاملة اللطيفة وارجوا ان لا تحرمني من زيارتك ابدا

تحياتي لك